الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

الكتابة



الكتابة: من جدران الكهوف إلى شاشة الكومبيوتر
د. حيدر حيدر

صحيح أنه تفصلنا ثلاثون ألف سنة ونيف عن رسومات الكهوف التي أبدعها الإنسان البدائي عبر مسيرته الطويلة, لنصل إلى الرسومات الجدارية للمصريين, ونقفز في التاريخ لنجد أقدم النماذج الكتابية لدى السومريين الذين استوطنوا الهلال الخصيب
منذ قرابة 5500 سنة, حيث اتقنوا الزراعة وشقوا الأقنية بين نهري دجلة والفرات. فكان نظام كتابتهم الذي نطلق عليه الكتابة السومرية الذي قدم لنا فكرة واضحة عن الطريقة التي تطورت من خلالها رسم الصور البسيطة إلى لغة مكتوبة وعن ماهية التأثير الذي نجم عن استعمال ألواح من الصلصال الرطب ثم شيها لتصبح صلبة صلدة, ما حفظها وإلى يومنا هذا لنكتشف ملامح مجتمع مزدهر عرف معنى الاستقرار. هكذا يستهل دونالد جاكسون كتابه الشهير (أصل الكتابة) الصادر عن وزارة الثقافة.‏

ترسخت الكتابة المسمارية, وانتشرت في كنف الحضارات التي توالت على أراضي ما بين النهرين, وفي شرق البحر المتوسط. و في مصر الفرعونية تطورت أساليب الكتابة لتلتقي مع الكتابة السومرية في نقاط متشابهة كثيرة. ولعل تطور المهارات الكتابية والخطية كان بمثابة المفتاح الرئيس لحياة رغيدة تنعم بالأمان والبساطة. فقد كتب أحد كبار الموظفين آنذاك رسالة لولده, ينبغي أن تحب الحروف, كما تحب أمك. وكانت الكتابة بالفرشاة القصبية والحبر على ورق البردي تعد طريقة سريعة وسهلة.‏

وقد أطلق اليونانيون الذين عرفوا (هذه اللغة) اسم المرحلة الهيروغليفية وتعني الكتابة المنقوشة المقدسة. وظلت هذه الكتابة الطريقة المثلى المتبعة في المخطوطات الدينية والنصوص لفترة طويلة.‏

أما ظهور الحروف الأبجدية فيؤكد الكاتب رغم اختلاف العلماء والباحثين حول كيفية انتقال آثار ومراحل تطور الكتابة الأولى إلى الحضارات اللاحقة- أن الفنيقيين الذين طوروا حضارتهم لتصبح غنية في كل ميادين الحياة. فقد وصلت الحروف الأبجدية في عهدهم إلى مرحلة الكمال على أقل تقدير عام 1000 قبل الميلاد.‏

لقد صاغ الفينيقيون كتابتهم, الذين أسسوا تجارة نشطة مزدهرة إلى أبعد الحدود في كل مكان من العالم القديم. بالاعتماد على مصادر مختلفة حيث تضمنت المسمارية والهيروغليفية,والخط المنيوي, بالإضافة إلى أشكال أخرى من الكتابة استمدوها من أوغاريت, والتي تطورت منها الكتابة اليونانية التقليدية.‏

كذلك فإن الشعوب الآرامية- والفينيقية جزء منها استوطنت سورية قبل عام 1000 قبل الميلاد. وكان نظامهم الكتابي شبيه إلى حد كبير بالنظام الكتابي لدى الفينيقيين وحروفهم التي انتشرت باتجاه الغرب.‏

فانتشرت المخطوطات الآرامية في الامبراطورية الآشورية وحلت مكان الأنظمة المسمارية في اللغات البابلية والفارسية امتداداً من الخليج الغربي إلى أفغانستان والهند ومنغوليا وقد نشأت اللغتان العربية والعبرية من هذه النماذج (فالآرامية هي لغة السيد المسيح ومعاصريه) كما يؤكد الباحث جاكسون وقد نشأت من هذه النماذج أيضاً الحروف الفارسية وحروف وكتابة (براهما) الهندية.‏

وفي أواخر القرن السادس الميلادي استخدم القديس المسيحي (ما شتوت) نموذجاً آرامياً بمثابة أساس تم الاستناد عليه في ابتكار ألفباء جديدة للشعوب الآرمية. أما الخط الإسلامي في اللغة العربية عندما أصبح متبعاً في تدوين القرآن الكريم أوائل القرن السابع, فانتشر مع الفتوحات الإسلامية الواسعة في شمال إفريقيا وآسيا الصغرى وشرقاً باتجاه الهند والصين.‏

وهو ينحدر من السلالة النبطية للكتابة الآرامية, يقول المؤلف: أثر الإسلام في الثقافة الأوروبية تأثيراً مهماً بأن جعل أسلوب التعليم والتثقيف أسلوباً علمانياً.. إن نصوص أرسطو وإقليدس لم تأت إلينا مباشرة بل وصل قسماً كبيراً منها عبر ترجمات قام بها العلماء المسلمون في طليطلة.‏

ومع بداية عصر النهضة طور الألماني جوهانس غوتنبرغ تقنيات وأساليب طباعية تعد بداية عصر الطباعة الآلية. وكانت هذه الأساليب والتقنيات دمجاً لأفكار من مصادر مختلفة منها الصينية والعربية.‏

تشبه التقنيات الأوروبية في صناعة الورق الطرق التي ابتكرها الصينيون وطورها العرب. وبذلك بدأ عصر جديد في فن الكتابة ويؤكد غوتنبرغ وشركاؤه في أول كتاب مطبوع (إننا بذلنا جهداً كبيراً في إنتاج هذا العمل.. ولم نفعل ذلك بالقلم الريشي أو القصبي وإنما بواسطة اختراع جديد في ميدان الطباعة).‏

وعندما شارف القرن الثامن عشر على نهايته لم يبق سوى الكتبة القانونيين (كتاب العدل) كخطاطين محترفين بالمعنى التاريخي للكلمة وتجارب الناس مع الأساليب الجديدة في الطباعة والطباعة الملونة التي أسدت خدمة جليلة للكتابة والزخرفة. لتصبح الكتابة في عصرنا الراهن واحدة من الفنون.‏

لقد استطاع مترجم الكتاب محمد علام خضر ليس فقط أن ينقل إلينا كتاباً هاماً من الانكليزية إلى العربية, بل أن ينقل مشاعر وأحاسيس الكاتب وكتابه. فالكتابة يمكن أن تكون شكلاً من أشكال الاتصالات على مستويات مختلفة من الرسم بالكلمات.‏























ليست هناك تعليقات: